أحدث الأخبار مع #الشرق الأوسط


الغد
منذ 41 دقائق
- سياسة
- الغد
ما فعله ترامب هذا الأسبوع يجب أن يرعب نتنياهو.. وإليكم السبب
اضافة اعلان جوناثان فريدلاند* - (الغارديان) 16/5/2025ترجمة: علاء الدين أبو زينةجولته في الشرق الأوسط كشفت أمراً واحداً بوضوح: أنه لن يتردد لحظة في خيانة حليفه السابق. بل إنه يفعل ذلك بالفعل.* * *من المفارقات العجيبة أن يكون أفضل أمل للفلسطينيين في بعض الغوث معلقًا على رجلٍ يحلم بإفراغ غزة من أهلها وتحويلها إلى منتجع شاطئي. ومع ذلك، فإن أوضح طريق -بل وربما السبيل الوحيد للخروج من هذه المعاناة الراهنة- يكمن في دونالد ترامب، وفي تزايد نفاد صبره من إسرائيل التي أصبحت الآن أكثر عزلة باطراد.لو كان هذا من فعل أحد أسلاف ترامب، لكنتَ تشيد بما حدث في الأسبوع الماضي بوصفه تأكيدًا على تحول جذري، بل لحظة مفصلية في السياسة الخارجية الأميركية. ولكن، بما أن الذي يفعل ذلك ترامب، لا يمكنك أن تكون متيقنًا من أن الأمر ليس مجرد نزوة عابرة سرعان ما تنقلب في غضون أسابيع، أو حتى ساعات، إلى نزوة أخرى معاكسة.ومع ذلك، إذا أخذنا جولة ترامب في الأيام القليلة الماضية على ظاهرها، فإنها تمثل توجهًا مختلفًا تمامًا نحو الشرق الأوسط، وخاصة نحو الدولة التي طالما اعتبرتها واشنطن حليفتها الأولى في المنطقة. والواقع أن أبسط حقيقة في هذه الجولة هي الأكثر دلالة: الرئيس الأميركي لم يزر إسرائيل من الأساس.كان بالإمكان التذرع بأي تبرير لتجاوز إسرائيل، لولا ما قاله ترامب وفعله خلال جولته. في المملكة العربية السعودية، لم يكتفِ بتحية ولي العهد محمد بن سلمان بحرارة، بل أظهر إعجابًا شديدًا به. قال له: "أنا معجب بك كثيرًا"، وسأله إذا كان يجد وقتًا للنوم بالنظر إلى نشاطه المتواصل في تحويل المملكة.توصل الرجلان إلى صفقة تشتري بموجبها السعودية أسلحة أميركية بقيمة 142 مليار دولار. وحتى هذا الأسبوع، كان حجر الزاوية في العلاقة الأميركية-الإسرائيلية هو الضمانة الأميركية بأن تحتفظ إسرائيل دائمًا بتفوقها العسكري على جيرانها. أما الآن، فقد أصبح ذلك موضع شك كبيرا. بل إن ترامب صرّح بأنه "لا شريك أقوى لنا من السعودية"، وهو وصف كانت إسرائيل تنفرد به في السابق.ربما يكون الأهم من ذلك هو أن ترامب أبدى كل هذا الحب للرياض من دون أي شروط مسبقة. لم يربط شيئًا من ذلك بتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وقال إن لولي العهد السعودي أن يطبع العلاقات "حينما يحين الوقت المناسب"، من دون ضغط من الولايات المتحدة.وقد تكرّر هذا النمط في كل محطات الجولة. ومن المثير للانتباه أن ترامب رحّب بسورية من جديد في المحفل الدولي، ورفع العقوبات الأميركية عنها وأثنى على زعيمها الجديد واصفًا إياه بأنه "وسيم" و"مقاتل". كل ذلك مع أن أحمد الشرع كان مدرجًا حتى كانون الأول (ديسمبر) الماضي على قائمة الإرهابيين المطلوبين لدى الولايات المتحدة بسبب صلاته بتنظيم القاعدة، وكانت هناك مكافأة قدرها 10 ملايين دولار مرصودة لمن يدلي بمعلومات عنه. إنّه انقلاب جذري حقًا. والأكثر غرابة أن ترامب لم يطالب حتى بالضمانات الأمنية التي كانت إسرائيل تسعى إليها، ومنح سورية هذا الانفتاح بلا مقابل.أصبح ترامب يعقد الآن الصفقات التي يريدها، بغض النظر عن احتياجات حليفه السابق. وعلى سبيل المثال، عقد اتفاقًا منفصلًا مع الحوثيين في اليمن يمنعهم من مهاجمة السفن الأميركية، لكنه لا يمنعهم من إطلاق الصواريخ على إسرائيل. وصرّح بأنه "قريب جدًا" من التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، ضاربًا بعرض الحائط قناعة نتنياهو الراسخة منذ عقود بأن طموحات إيران النووية لا يمكن كبحها إلا بالقوة. كما صافح ترامب رجب طيب أردوغان في تركيا، من دون أن يُزعجه عداؤه لإسرائيل أو صلاته الوثيقة بـ"حماس". بل إنه تفاوض بشكل شبه مباشر مع حركة "حماس"، حيث ضمن إطلاق سراح إيدان ألكسندر، المواطن الأميركي-الإسرائيلي مزدوج الجنسية، وهو أمر لم يعلم به نتنياهو إلا بعد حدوثه.بأعلى وأوضح صوت ممكن، يخبر ترامب نتنياهو بأنه لم يعد الرجل الأول، وأنه لن يعرقل ما يراه في مصلحة أميركا، أو مصلحته الشخصية. ويعود جزء من هذا التوجه إلى الإحباط الذي عاناه ترامب من نتنياهو بسبب تقاعسه عن المساهمة في تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، الذي يراه ترامب شرطًا ضروريًا لازدهار المنطقة -وبالتالي لازدهار أميركا. ببساطة، ما يريده ترامب من نتنياهو هو طي الحرب على "حماس" وإبعادها من على الشاشات العالمية -لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يفي بالمطلوب.كان بالإمكان الشعور بالتعبير عن هذا الإحباط في تصريحات المبعوث الشخصي لترامب، ستيف ويتكوف، لعائلات الرهائن في إسرائيل الأسبوع الماضي: "نحن نريد إعادة الرهائن إلى منازلهم، لكن إسرائيل لا ترغب في إنهاء الحرب. إسرائيل تطيل أمدها".في الواقع، تُظهر استطلاعات الرأي أن غالبية ساحقة من الجمهور الإسرائيلي يطالبون، إن لم يكن يصرخون من أجل وقف فوري للحرب. لكن نتنياهو يعاند شعبه لأسباب أنانية محضة. وبينما يواجه المحاكمة بتهم فساد، لا يمكنه ضمان بقائه خارج السجن إلا إذا بقي في منصب رئيس الوزراء. ولتحقيق ذلك، عليه أن يحافظ على تماسك ائتلافه الحاكم، الذي يضم اثنين من أكثر الشخصيات تطرفًا قوميًا: إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. ويريد هذان الرجلان استمرار الحرب إلى ما لا نهاية، ويحلُمان بغزة مطهّرة من سكانها تمهيدًا لإعادة المستوطنات اليهودية. وبدلاً من التفكير في المصلحة العامة، ينحني نتنياهو لمطالبهما، ويبقي نيران الحرب مشتعلة -مهما بلغت الكلفة من الدماء.وهو ما يجعل المطاف ينتهي بنا ونحن نجد أنفسنا أمام فظاعة حكومة إسرائيلية تستخدم التجويع كسلاح من أسلحة الحرب، وتمنع دخول أي مساعدات إلى غزة منذ 2 آذار (مارس). وليس هذا اتهامًا للحكومة؛ بل هو شيء تتباهى به. وكان وزير الدفاع، إسرائيل كاتس، قد عبر عن ذلك بوضوح الشهر الماضي حين قال: "إن سياسة إسرائيل واضحة: لن تدخل مساعدات إنسانية إلى غزة". ووصف الحصار بأنه "إحدى أهم أدوات الضغط" على حماس.قد تدّعي السلطات الإسرائيلية أن الضربات الجوية، التي أسفرت عن مقتل المئات في الأسبوع الماضي، كانت تستهدف مواقع عسكرية لـ"حماس" أو قادتها، بما في ذلك محمد السنوار، زعيم الحركة في غزة. لكنها لا تستطيع تقديم أي مبرر مشابه لاستخدام الجوع الجماعي الذي لا يميز بين مدني ومقاتل. إن هذا الفعل يشكل جريمة حرب وفقًا للقانون الدولي، كما أنه لا يُغتفر من الناحية الأخلاقية. لكنه يمثل مع ذلك سياسة رسمية لهذه الحكومة الإسرائيلية البغيضة.ثمة القليل من العناية تُبذل لملاحظة الظروف التي تلاقت لتقود إلى هذه الكارثة: حقيقة أن فظائع "حماس" المروعة في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 وقعت في عهد حكومة إسرائيلية تتشكّل من كاهانيين، ومن رئيس وزراء مستعد لتجاوز كل الخطوط الحمراء ليبقى بعيدًا عن السجن ويحافظ على سلطته. كان هذا هو الخليط الذي أوصلنا إلى هذا الزمن الرهيب، حيث يبدو أن المعاناة والموت لن يصلا أبدًا إلى نهاية.ربما ليس هناك سوى رجل واحد يمكنه إيقاف هذه الكارثة. يستطيع ترامب إما أن يواصل ما بدأه الأسبوع الماضي، ويعقد صفقات في الشرق الأوسط تقفز عن إسرائيل والتي لن تفيد الفلسطينيين أيضًا بشيء، أو -في أعقاب ما أقر به هو بنفسه عند مغادرته المنطقة يوم الجمعة من أن سكان غزة "يتضوّرون جوعًا"، وتعهد بقوله: "سوف نُعالج هذا الوضع"- أن يستخدم نفوذه ليفرض على نتنياهو القبول بالصفقة المطروحة على الطاولة منذ شهور: إطلاق جميع الرهائن المتبقين مقابل إنهاء الحرب.بطبيعة الحال، ما تحتاجه عشرات العائلات الإسرائيلية المكلومة، وملايين الفلسطينيين المنكوبين والجوعى، هو قادة جدد، قادرون على -وراغبون في- أن يرسموا لأنفسهم مصيرًا أفضل لكلا الشعبين، في الحالة المثالية معًا. وإلى أن يحين ذلك اليوم، فإن حياتهم تظل معلقة في يد دونالد ترامب.*جوناثان فريدلاند Jonathan Freedland: كاتب عمود في صحيفة "الغارديان" البريطانية.*نشر هذا المقال تحت عنوان: What Donald Trump did this week should terrify Benjamin Netanyahu. This is why


الرياض
منذ 3 ساعات
- ترفيه
- الرياض
قصّ الأثر.. من الرمل إلى الشيفرة
من تتبّع الطرود في أنظمتها الذكية، إلى تحليل الذرّات في أرقى المختبرات، تمدّد «قصّ الأثر» خارج حدوده التقليدية، ليتحوّل من مهارة فردية إلى خريطة خفية تقود التسوّق وتوجّه السوق. كان بعض العرب يقرؤون الرمال كما تُقرأ الكتب، يميّزون من الأثر جنس المار وسنه، وربما نسبه وقصّته. تغيّر الرمل، وبقي الأثر… لكنه اتخذ وجوهاً أكثر خفاءً: بصمة، شفرة، خوارزمية، تلتقط الإشارات من صمتنا، وتعيد إنتاجنا عبر قرارات لا نشعر متى اتخذناها. لم يعد قصّ الأثر فنّ تتبّع الخطى، بل علم توقّع الخطوة التالية. تحوّل من رمل يُقرأ إلى بيانات تُفكَّك، ومن فراسة العين إلى فراسة الخوارزمية، حتى صار نمطاً رقمياً لا يتعقّبنا… بل يسبقنا. في زمن الهواتف الذكية، تُجمع تحركاتنا وكلماتنا وتفضيلاتنا بدقة. الخرائط تتابع، الكاميرات ترصد، التطبيقات تغرس الرغبات كما تُفكك الجينات، ارتفع اليقين، وانكمشت معه المساحات الخاصة، ما نفعله لا يمضي دون أثر. نكتب، نبحث، نحدق، نمرر، وكل إشارة تُجمع في ملف رقمي يتضخم بهدوء، الأجهزة التي نظنها ساكنة، ترصد تعبيراتنا، وتقرأ وجوهنا دون أن ندرّبها. حتى النظرات العابرة تُنسج منها خرائط لا تنام. نُبدي رغبة عابرة، فتتشكل حولنا بيئة تستجيب لها بسرعة مدهشة. نذكر سفراً، فتغمرنا عروض الطيران والفنادق. نمرّ على اسم دواء، فيُعرض علينا ومنافسوه. طعام، عطر، سيارة، أو ميلٌ خاطف… يتحوّل إلى إعلان يصلنا دون استئذان. وراء هذا الانسياب الظاهري، تعمل خوارزميات دقيقة على إعادة تشكيل وعينا، وتوجيه اختياراتنا، وصياغة رغباتنا، ودفعنا -غالباً- نحو قرارات محسوبة بعناية، لا تخدمنا بقدر ما تخدم من برمجها. لقد أصبحت بياناتنا وقوداً غير مرئي لتطبيقات تجارية تتقاسم المعلومات، ما نفعله في تطبيق يُوظف في آخر، إعدادات الخصوصية لم تعد كافية، فالأدوات تجاوزت وعي المستخدم، وكشفته في سوق لا تُرى، لكنها ترى كل شيء، وتنسج منه صورة دقيقة عن ميلنا واتجاهاته، حتى التطبيقات التي تزعم العناية بصحتنا أو سكينتنا، تنقل معلوماتنا إلى الأسواق. تطبيقات الصحة وحتى الدورة الشهرية تُستخدم لتسويق منتجات الخصوبة، وتطبيقات اللياقة تجتذب إعلانات المكملات الغذائية، حقيبة لا نذكر أننا بحثنا عنها، تطاردنا في كل منصة. تظهر فجأة في عرض ذكي، فنشتريها، لا لأننا قررنا، بل لأن النظام الرقمي حسم القرار من قبل. ضحكة على مقطع، إعجاب بصورة، تمرير منشور… كلّها إشارات تكشف عن هويتنا الرقمية، والأغرب أن كثيراً مما يُعرض علينا لم ينبع من اختيار صريح، بل صُنع حولنا بدقة توقيت، وظهر في اللحظة التي ظنّ النظام أننا لن نتردد فيها، وكل ذلك بدأ من زر في تطبيق عابر: «موافق» تحت شاشة غامضة... ضغطة واحدة، ومضينا مطمئنين، بينما عدسة الهاتف وميكروفونه يرقبان في صمت، ويجمعان ما لم ننتبه أننا نطقنا به. زر بعنوان «موافق» لا يطلب أكثر من إذن، لكنه (قد) يمنح أكثر مما يُقال، ويأخذ أكثر مما نتوقّع. ورغم أنه يبدو خطوة عابرة في واجهة تطبيق، إلا أنه يحمل التزاماً معقّداَ لا يظهر بوضوح. ما يُعرض في سطر واحد من طلب الإذن، يفتح أبواباً واسعة لأذونات: الوصول للكاميرا، والميكروفون، والموقع، والملفات، وكل ذلك يُجمع في الخلفية بصمت، وبموافقة لم تُفهم كما ينبغي. إنه خيار يحتاج إلى شرح أوسع، وتوعية تسبق الضغط عليه، لا أن تأتي بعده متأخرة. لهذا، تبرز الحاجة إلى ميثاق واضح لا يحتمل المواربة، وسؤال صريح لا يفتح باباً للتأويل: «هل توافق على مشاركة بياناتك مع جهات تجارية؟ نعم / لا.» ميثاق تُلزَم التطبيقات بتنفيذه، وتُواجَه مخالفتُه بتشريعات حازمة تجرّم التطفل، وتُحاسب من يتربّص بوعي الأفراد من خلف الشاشات. أخيراً، ومن هنا تبرز أهمية التعليم والتربية والإعلام والمنابر التوعوية في بناء الحصانة؛ بوصفها أدوات توجيه، وجبهات دفاع عن الوعي، وصيانة للفطرة، وحماية من انكشاف يتجاوز الجسد إلى المبادئ والقيم، خاصة في المراحل التي يتشكّل فيها الوعي لدى الأطفال والنشء. فما يُؤمَل اليوم هو رعايةٌ للوجدان؛ تُنبت البصيرة، وتشدّ الأخلاق إلى جذورها قبل أن تعبث بها رياح الخوارزميات واستمطاراتها.


إيلي عربية
منذ 5 ساعات
- ترفيه
- إيلي عربية
لماذا تزوّجتَني؟ (الجزء الأول)
كنتُ قد بلَغتُ الأربعين مِن عمري ولا أزال عزباء، لأنّ الوقت مرَّ مِن دون أن أنتبِه إلى الأمر، بسبب انشغالي بأمّي وحالتها الصحّيّة الهشّة وتأنيبها لضميري كلّما أبدَيتُ الرغبة بالزواج وبناء عائلة. هي ربّتني، وربّما أنجبَتني، لأبقى معها لآخِر أيّامها كالكثيرات مِن الأمّهات النرجسيّات، فاستحالَ عليّ الانشقاق عنها. لكن لكلّ شيء نهاية، وعلى الإنسان أن يُغادِر هذه الدنيا يومًا، فقد ماتَت والدتي بعد أن أخذَت معها أفضل أيّامي. ورِثتُ البيت الأبويّ، بعد أن شعَرَ أخوَتي أنّ عليهم مُكافأتي على تضحياتي التي أراحَتهم وخوّلَتهم تحقيق أحلامهم، وبقيتُ أذهب إلى عمَلي الذي كان لسنوات طويلة مُتنفّسي الوحيد. وبعد أشهر على وفاة أمّي، أقنعَني زملائي أنّ الوقت حان لأعيشَ حياتي وأقَع في الغرام وأتزوّج، ومَن يدري، أُنجِب في الوقت التي تبقّى لأنوثتي. بدَت لي الفكرة صعبة للغاية، إذ أنّني لَم أحِبّ أو أواعِد أحَدًا في حياتي، وكلّ ما كنتُ أعرفُه عن هذه الأمور كان صادِرًا عن الأفلام التي شاهدتُها أو القصص التي سمِعتُ بها أو قرأتُها. وذات يوم، أخبرَتني إحدى زميلاتي في العمَل أنّها سجَّلتني على احدى تلك المواقع للتعارف بعد أن أخذَت لي صورة مِن دون أن أدري، وروَت لي عن تجارِب ناجِحة لأناس تعرفُهم وجَدوا نصفهم الآخَر بهذه الطريقة. لَم يُعجِبني الأمر في البدء، لكن يومًا بعد يوم، بدأتُ أقتنِع بالفكرة، خاصّة بعدما بدأَت الرسائل تأتي إليّ مِن قِبَل رجال أبدوا رغبتهم بالتعرّف إليّ. تبادَلتُ الرسائل مع المُعجبين لكن ما مِن أحَد استقطَبَ حقًّا إعجابي، فلَم أعُد أكترِث للأمر بعد أن فهِمتُ أنّ مُعظمهم لا يريدُ سوى اللهو معي وبطريقة غير شريفة. إلّا أنّ أحدَهم استطاعَ تغيير رأيي بفضل تهذيبه وكلامه الجميل وصراحته. كان اسمه مالِك، رجُل في الخمسين مِن العمر، مُطلّق يعيشُ لوحده منذ زمَن ويعمَل كمُدير فرع لأحَد البنوك. كان يبحث عن رفيقة وحبيبة، ولا يُمانِع أن يكون له أولاد جُدد بعد أن كبرَ أولاده وسافروا بعيدًا. بدأنا نتبادَل الأفكار والميول والمُتطلّعات، فسألتُه لماذا هو مُهتمّ بامرأة في الأربعين مِن عمرها، بينما يستطيع التعرّف على أصغَر منّي بكثير بفضل مواصفاته ومركزه، إلّا أنّه أجابَ: "قلبي هو الذي اختارَكِ، وليس مِن عادتي أن أُجادِله". تزوّجنا بعد فترة قصيرة، فمِن جانبي خفتُ أن يُبدّل مالِك رأيه ويجِد سوايَ، ومِن جانبه، هو رأى أنّ سنّه وخبرته في الحياة كافيَين ليتخِّذ قراره. سكنّا في بيتي لأنّني وجدتُ صعوبة بالرحيل مِن مكان ولِدتُ وكبرتُ وعشتُ فيه، وأمِلتُ أن أُبدِّل ذكريات الطغيان والقساوة بأخرى مليئة بالحبّ والأمل. على كلّ الأحوال، مسكَن مالِك كان بالإيجار ولا معنى بالعَيش فيه وترك آخَر بالمُلك. ذقتُ أخيرًا طعم السعادة وخطّطتُ منذ البدء للإنجاب. فكما ذكرتُ لَم يكن لدَيّ رفاهيّة الانتظار، وأمِلتُ وزوجي أن ننجَح في مشروعنا. إلّا أنّ مُحاولاتنا باءَت بالفشل للأسف، ولَم يتبقَّ لي سوى المُعالجة والتلقيح. إلّا أنّ مالِك لَم يكن مُرتاحًا لهذا الحلّ، فبنظره وحده الله يُقرِّر إن كان علينا أن نُرزَق بطفل، لكنّني أجبتُه مرّات عديدة أنّ الله هو مَن أعطانا القدرة على ابتكار حلول علميّة، فالأمر سيّان. لَم أترُك عمَلي، مع أنّ زوجي كان مُقتدِرًا، لأنّني لَم أشأ المكوث في البيت لوحدي طوال اليوم ما دمتُ لَم أُنجِب بعد، فلَم تتغيّر حياتي كثيرًا سوى أنّني صرتُ أتقاسمُها مع إنسان مُحِبّ ولطيف. ... لكن ليس لوقت طويل. فالحقيقة أنّني لاحظتُ أنّ زوجي لَم يكن يصطحبُني معه إلى أيّة مُناسبة اجتماعيّة. في ما يتعلّق بأصدقائه، كان الأمر وكأنّ هناك فاصِل بيني وبينهم، ولَم أتعرّف إلى القليل مِن هؤلاء سوى في يوم زفافنا الصغير. سألتُه عن الأمر فأجاب: ـ في الواقع... أنا أغارُ عليكِ كثيرًا وأُريدُكِ لنفسي فقط. ـ شكرًا على الإطراء يا حبيبي... لكن أفضِّل أن تثِق بي أكثر وتُدخِلني حلقات عملكَ وأصدقائكَ، فأنا أشعر وكأنّكَ تضعُني جانبًا ربّما لأنّكَ... ـ لا تُكملي! فلا أُريدُ سماع كلام فارِغ. فأنتِ تتخايَلين أمورًا ليست موجودة على الاطلاق! لنُقفِل الموضوع! ـ حسنًا يا حبيبي. لَم أكن تعيسة مع مالِك، لكنّني لَم أكن أيضًا سعيدة، فلقد تخيّلتُ الحياة الزوجيّة بشكل مُختلِف. أقنَعتُ نفسي أنّ تطلّعاتي كان مصدرها مِن الأفلام والقصص وأنّ الحقيقة هي ما أعيشُه بالفعل. فزوجي كان رجُلًا هادئًا وسهل المزاج، على عكس المرحومة أمّي، وذلك كان كافيًا لي. لكن لماذا كنتُ أشعرُ بالوحدة بينما صارَ لي زوج، إنسان يُشاركُني حياتي وينامُ في سريري ليلًا؟ ربّما سبب ذلك الشعور هو رغبتي بالإنجاب، وهي رغبة مُلِحّة ظننتُها ستُعطيني ما ينقصُني. كان يجب أن أُحاوِل التلقيح، لكنّ زوجي كان يرفضُ ذلك ولَم أرِد تدمير علاقتنا والعَيش لوحدي في بيت كبير عليّ. مرَّت حوالي السنة على هذا النحو، وبدأتُ أذبُل كالوردة التي نسِيَ أحدٌ أن يسقيها، وبقيَ مالِك على حاله يذهب إلى عمَله ويرى أصدقاءه ليعود إلى البيت في المساء ويأكل ما حضّرتُه له، ونتبادَل الكلام السطحيّ ثمّ نخلُد للنوم. حياتنا الحميمة كانت فاتِرة مِن الجهتَين. عذري كان أنّني لَم أختبِر تلك الأمور مِن قَبل، لكن ما كان عذره هو؟ زميلاتي في العمَل كنّ تروَينَ دائمًا عن علاقتهنّ الحميمة مع أزواجهنّ المليئة بالإثارة، وكيف أنّ رجالهنّ كانوا دائميّ الالحاح للحصول على ما يُريدونه... لماذا لَم يكن مالِك هكذا؟ لماذا تزوّجَني إن لَم يرغَب فيّ؟ حصَلتُ على الجواب بسرعة: فذات مساء، عادَ مالِك إلى البيت بعد أن قرَعَ الباب على غير عادته، فهو يستعملُ دائمًا مُفتاحه. فتحتُ له وإذ بي أراه حامِلًا في ذارعَيه ولَدًا صغيرًا عمره يُقارِب السنتَين. تفاجأتُ كثيرًا وسألتُه مَن يكون الطفل، فأجابَ وهو يدخُل معه: ـ إنّه هديّتي لكِ... إبن جاهز... مِن دون تلقيح وحَمل وولادة. ـ لَم أفهَم... هديّة؟ مَن هو الطفل أو بالأحرى مِمّن هو، يا مالِك؟ ـ إنّه ابني. ـ ماذا؟!؟ حسبتُ أنّ أولادكَ راشدون ومُسافرون. ـ صحيح ذلك، لكن هذا ابني مِن زواجي الثاني. ـ لَم تقُل لي إنّكَ تزوّجتَ مرّتَين! ـ لأنّ الأمر ليس مُهمًّا. ـ بلى، على الأقلّ بالنسبة لي! كيف تخفي زواجًا عنّي؟!؟ ـ سأخبرُكِ القصّة كامِلة قريبًا جدًّا. ألستِ سعيدة بابنكِ الجديد؟ ـ هو ليس ابني، بل ابنكَ!!! خذه مِن هنا في الحال! وقبَل أن أُكمِل، وضعَه مالِك بين ذراعَيّ، فأزَحتُ الطفل عنّي لكنّه بدأ بالبكاء مِن كثرة خوفه. ومِن دون أن أنتبِه، عانَقتُ الصغير وبدأتُ أواسيه ليهدأ مُعتذِرةً منه على إخافته. هدأ الصغير، وبدأَت عيناه تثقل ونامَ بين ذراعَيّ. نظرتُ إلى زوجي فرأيتُه يبتسِم، ليس لجمال المشهد، بل لأنّه، كعادته، حصَلَ على ما أرادَه. وبعد أن وضعتُ الصغير في سرير إحدى الغرَف، عدتُ لأُكمِل حديثي مع زوجي، إلّا أنّني وجدتُه نائمًا هو الآخَر، أو بالأحرى يدّعي النوم. دخلتُ السرير إلى جانبه وبدأتُ أُحدِّق في السقف، وأنا أُفكِّر في الذي حدَث، ثمّ نمتُ بدوري عازمةً على إنهاء تلك المهزلة في الصباح. لكنّني استيقظتُ في وسط الليل على صوت الطفل الذي شعَرَ بالوحدة في مكان غريب، فأكملتُ الليلة إلى جانبه. كنتُ قد صرتُ، مِن دون أن أعلَم، أمًّا. قد يظنّ القارئ أنّ قصّتي انتهَت وأنّ نهايتها سعيدة، بعد أن وجدتُ أخيرًا ما كنتُ بحاجة إليه، لكنّ الحياة ليست كما في الأفلام والقصص، وزوجي لَم يكن فارِسًا شهمًا بل رجُلًا كاذِبًا ومُحتالًا واستغلاليًّا.


البيان
منذ 5 ساعات
- ترفيه
- البيان
علاقات متذبذبة
ولهذا، نلحظ أن بعض العلاقات تبدأ بحماس عاطفي مبالغ فيه، نتيجة غياب الوضوح في النوايا أو التوقعات بين الطرفين، ما يؤدي إلى انهيارها سريعاً عند أول اختبار.


البيان
منذ 5 ساعات
- ترفيه
- البيان
مصيدة «الترند».. أم تسويق ذكي؟
في زمنٍ تُقاس فيه القيمة بعدد المشاهدات، لم يعد (الترند) مجرّد موجة عابرة، بل أصبح «سلعة» تُغلف ببريق اللحظة، وتُعرض في سوق الوعي الجمعي للشراء والاستهلاك السريع. فيديو، نغمة، أو حتى أزمة عابرة، تتحوّل إلى مركز اهتمام عالمي، ثم تُنسى كأنها لم تكن. ومع هذا التكرار، نبدأ بفقدان إحساسنا بما هو حقيقي، وما هو مُفتعل. ينقسم المجتمع كما تنقسم المرايا: من يُلاحق (الترند) ويُقلّده دون وعي، ومن يقف متأملاً بخوفٍ من أن تضيع البوصلة. وسط هذا الانقسام، يبرز المؤثر كصوت عالٍ يقود الجمهور، لا مجرد فرد يشارك رأياً. فالمؤثر ليس فقط من يصنع الترند، بل من يزرع أثره في النفوس، خاصة تلك النفوس الصغيرة التي لم تتشكل بعد. لكن السؤال الأهم: هل (الترند) خطة تسويق ذكية؟ قد يُخيَّل إلينا ذلك، لأن الشركات والمؤثرين يجنون الأرباح من ركوب الموجة. إلا أن الحكمة تقول: ليس كل ضوء برقٍ يدل على الطريق. فالتسويق الذكي لا يعتمد على ضجيج اللحظة، بل على البقاء بعد الصمت، على بناء ثقة لا زيف شهرة. لكن الخطر الأكبر يحوم حول فلذة أكبادنا من الأطفال والمراهقين، بقلوبهم الغضة وعقولهم المتشكّلة، يصبحون أكثر عرضة للانجراف خلف كل موجة رائجة. فالترند بالنسبة لهم ليس مجرد ترفيه، بل بوابة تعريف الذات، ووسيلة للشعور بالانتماء. وهنا تتضاعف المسؤولية: على المؤثر أن يعي تأثيره، وعلى المتابع أن يتحقق قبل أن يتبع. ولحماية أنفسنا من هذه المصيدة، علينا أن نعود للسؤال الجوهري والعميق: «لماذا أتابع؟» نحتاج لفلترة المحتوى، لا رفضه كلياً، بل استهلاكه بوعي. أن نعلّم أبناءنا التمييز بين ما يُثريهم وما يُفرغهم، أن نصنع بأنفسنا معياراً لما يستحق المتابعة. الترند ليس عدواً دائماً، لكنه ليس صديقاً دائماً أيضاً. ما يحدّد قيمته هو طريقة تفاعلنا معه. فإما أن نكون تابعين، وإما أن نكون قادة بوعي.